2014-02-10

ماذا حدث لي بعد منتصف الليل



طبعا و أنا في الغربة و مثل أي مواطن شريف يحب ان يخدم بلده فأني أحاول أن أتفانى في عملي و أقوم به على أحسن وجه وبالتأكيد نستطيع أن نضيف أسباب أخرى للتفاني مثل الخوف من الله و الخوف من الطرد في حالة عدم التفاني فبعدين وين ننطي وجهنا بهالغربة الكشرة . المهم المدير مالي أنسان حباب و كلش يعزني و يقدرني و لذلك دائما هالملعون ينطيني شغل هواية يمكن مال 3 نفرات حتى أسويه و آني بالعها و ساكت للأسباب التي ذكرتها أعلاه . و بما أن ساعات الدوام محدودة و عليً أن أغادر محل العمل مع البقية و حتى أنجز كل الشغل المطلوب آخد مرًات الشغل وياي للبيت حتى أخلصه هناك . و مرًات أبقى كاعد لما بعد منتصف الليل لأكمال الشغل و حتى يكون جاهزا في صباح اليوم التالي . الجيران عبالهم كاعد سهران أكتب قصائد غزل أو أتفرج على أفلام الأكشن أو أدخن النارجيلة بعد ما ينامون الأطفال وآني من فشلتي أسايرهم في معتقداتهم هذه و أبلع ما تبقى لي من عزًة نفس .   

و في يوم من الأيام و بعد أن تجاوزت الساعة الثانية عشر و النصف ليلا سمعت طرقات على الباب الخارجي ...غريب من يأتيني في هذه الساعة المتأخرة من الليل و في هذا البرد الشديد خاصًة أن أهل البلد هنا مثل الدجاج ينامون من ساعة 8 بالليل؟

  قمت و تناولت المكنسة أم العودة الطويلة و ذهبت لأرى من في الباب و من هذا الذي يأتي الى عرين الأسد بعد منتصف الليل و جسمي يرتعش من البرد " أو يمكن من الخوف " . فتحت الباب و مكنستي في يدي لأجد أمرأة و قد تجاوزت الستين من العمر و هي تبكي . يا لطيف...يعني قابل زوجها ضربها و طردها من بيتهم في هذا الوقت المتأخر من الليل. زين أذا هي فوق الستين فزوجها أكيد عجوز مثلها فهل يا ترى زوجها بيه حيل يضربها. بس أنا لا أجد لأي آثار ضرب مبرح على أي جزء من جسمها...يمكن بصق عليها و هي مرهفة الحس فما تحملت...قلت لها بصوت واثق و بلغة أنكليزية ركيكة  " خالة شبيج...ياهو اللي تحارش بيج...اليوم لا أخلًي البوليس يبهذله " ..هنا أجهشت المسكينة بالبكاء و قالت لي "آسفة فقد رأيت الأنوار مضاءة فجئت مسرعة لألتجأ اليك.... لقد صدمت المسكين بسيارتي و لم أره..تعال شوفة بروح أبوك " ..طبعا آني من قالت عبارة " صدمت المسكين بسيارتي  " سافت ركبي و رجلي لم تعد قادرة على حملي و أحمد الله أن المكنسة كانت بيدي فتوكأت عليها لتحمل جسدي المتهالك . أجبتها وأنا أحاول أن أخفي أرتباكي و خوفي " خالة ليش...بعد كل هالعمر تصدميه بسيارتك ...هسة شكو بيهة أذا المسكين غلط....مو معناتها تسحكيه بسيارتك ..مو هذا خطية "..أجابتني و هي تجهش عاليا بالبكاء " و الله لم أره...هو مالتكم لو مال جيرانكم ؟ "

قلت لها بعصبية " لا مالنا و لا مال جيراننا...زوجك يخصك وحدك و أن كنت دهستيه بسيارتك فهذه جريمة يعاقب عليها القانون " فردت عليً بعصبية " أني لا أتكلم عن زوجي أيها المسودن ..أني أتكلم عن القط الذي قفز أمامي فجأة فلم أستطع تفاديه "

طبعا هنا و حسيت برغبة أن أكسًر المكناسة على رأس أحدهم ...شنو بزون مسحوك بعد منتصف الليل و شنو هالبكاء...و الله سافت ركبي من الخوف و بعدين طلع الكلام كله على بزونة "

قلت لها " و ماذا تريدين يا خالة ...أنه ليس قطنا و لا جيراننا يملكون قطا ...بعدين أنت شنو مطلعك برًة بعد منتصف الليل ؟"

أجهشت السيدة العجوز بالبكاء عاليا و قالت لي " أنا للتو أنتهيت من حفل عزاء والدي الذي توفي قبل أيام و الذي أحزنني فراقه كثيرا..و الآن هذا القط " و أخذت تجهش بالبكاء

آنه خوك...هاي عمرها فوق الستين و أبوها هسة يللة مات...لعد أبوها شكد كان عمره

"أرجوك هل تساعدني على وضع القط في سيارتي لآخذه للعيادة البيطرية الخافرة  فأنا لا أقوى على حمله و أنا بهذه الحالة"

طبعا داعيكم أول مرًة و منذ أن أنتقل الى هذا البلد يعرف أنه هناك عيادات بيطرية خافرة...حقهم...يمكن فد كلب صعد عنده الجالي أو بزونة صار بيها أسهال أو ببغاء كام يكح ...لعد قابل يعوفوهم...هذولة هم روح "

خرجت مع السيدة العجوز الى الخارج و كانت سيارتها متوقفة في منتصف الشارع و القط المسكين مسجى على أسفلت الشارع . أقتربت منه و رأيته ينازع في روحة السادسة على الأكثر . التفت الى السيدة العجوز و قلت لها و أنا أرتجف من شدة البرد " خالة ...هذا يمكن راح يموت بعد شوية لأني أسمعه شخيره و هو ديطلًع بالروح "..هنا أجهشت المسكينة بالبكاء و أنا واقف قربها أتصنع الحزن لأظهر بمظهر حضاري متعاطف مع مشاعر المرأة كما يقولون و أكتم الغيض الذي في داخلي على هذه الليلة السودة  . قالت لي " لنضعه في صندوق سيارتي و سوف آخذه الى العيادة البيطرية...هل لديك صندوق من الكارتون لأضعه فيه "

ذهبت الى الداخل و أحضرت صندوقا و كرك حتى نشيل البزون. أول ما ردت أرفع البزون بالكرك صاحت بي " ماذا تفعل أيها المسودن...أنه يتألم و هذه طريقة غير حضارية لرفع قط مصاب من مكانه..هل جننت أيها المسودن " ...آنه خوك...ترزلت و رب الكعبة . وهنا مدت يدها بكل رفق و أخذت تمسح على ظهره و تقول له " أنا آسفة لأني صدمتك...سأرفعك و أذهب بك الى الطبيب...لا تهتم يا عزيزي فأنا الى جانبك و رفعته بيديها و بكل رقة و وضعته في الصندوق الكارتون ثم وضعت الصندوق في المقعد الملاصق لمقعد السائق و قالت لي و هي تتحرك بسيارتها الى العيادة البيطرية " سأصلي له طوال الطريق علً الله أن ينقذه و يشفيه...و أشكرك جدا أيها المسودن على مساعدتك لي "

أنطلقت و تركتني فاغر الفاه حاملا الكرك بيدي و أنا أرتجف من البرد و لا أعرف ماذا أقول

و بعد أيام من هذه الحادثة دق الباب فذهبت لأفتحه و أذا أم و طفلتيها الصغيرتين على الباب و في يدهم أوراق . سلمتني الطفلة أحد هذه الأوراق و قالت لي " أن قطي ضائع و لم يأت للبيت منذ عدة أيام..أذا رأيته فهذا عنوانا و هذه صورة القط حتى تتعرف عليه " و حالما شاهدت القط أدركت أنه القط الذي صدمته المرأه العجوز قبل أيام . قلت لهم " ليش ما تعرفون..مو البزون مالكم أنسحك... فقد صدمته سيارة قبل عدة أيام و سوًت طشاره ماله والي...و كان في النزع الأخير من شفته لآخر مرًة" و أخذت أقص عليهم ما حدث . أخذت الطفلتين بالبكاء على القط و الأم تواسيهم و أنا واقف بينهم أتصنع الحزن كما تصنعته عندما رفعت المرأه العجوز القط من على أسفلت الشارع . و بعد عدة دقائق ألتفتت الي الأم و شكرتني على المعلومة و قالت لي أنها تأسف عما حصل لقطهم و ترثى لحال المرأة العجوز لما أصابها من حزن و فزع . ثم قالت أنها ستتصل بكل العيادات البيطرية الخافرة القريبة من المنطقة لتسأل عن قطها . ذهب الجميع بعد أن شكروني و هم يواسون بعضهم البعض بدون أن يصرخوا " يا لثارات بزونتنا "

طبعا أنا أحترمت فيهم حرصهم على الحيوان . و قلت في نفسي أن تربيتهم بالأساس صحيحة . و لا يجيني واحد يتفسلسف براسي و يقول " أنهم يقتلوننا " فحكومات هؤلاء لا تمثل شعوبهم .  حكومات هؤلاء يتبعون السياسة المناسبة لهم لضمان مصالحهم لكن حكومات هذه الشعوب ليست بالضرورة أنها تفعل ما تريده شعوبهم . كم من مرًة رأينا ناشطين أمريكان و هم يحتجون على حرب العراق و يقذفون بوش و زبانيته بالبيض الفاسد . كم مرة رأينا من شعوبهم من يقاطع مؤتمرات و ندوات ليندد بسياسات حكوماتهم تجاه شعوب العالم . هؤلاء ناس فيهم الطيب الذي يمكن أن يساعدنا أذا عرف حقيقة ما تفعله حكوماتهم بنا . هؤلاء شعوب لا ترضى أن يقتل أحدهم أو أحدنا من أجل براميل النفط . كونوا منصفين و فرًقوا بين الشعوب و الحكومات و لا تجعلوا من الجميع أعداء لكم .

و بمناسبة حكوماتهم ذهبت مع نفر قليل ممن ساند الفكرة لأستحصال موافقة على الخروج بمظاهرة للتنديد بقتل أبنائنا في الفلوجة و الأنبار . قال لنا أحد موظفي الحكومة " حسب علمنا أن ما يحصل هناك هو حرب بين الحكومة و جماعة القاعدة و داعش و لذا لا نستطيع تخويل مظاهرة تندد بحكومة تحارب الأرهاب " طبعا نشف ريقنا و نحن نحاول أن نوضح لهم أنه ليس هناك داعش و لا جاحش و أن من يقتل هناك هم أناس أبرياء تنتقم الحكومة منهم لأنهم رفعوا أصواتهم مطالبين بالعدل  لكن دون جدوى.

خرجت و أنا أكتم غضبي و أنا أتعجب مما يحصل و أخذت بقيادة السيارة الى البيت و أنا أردد مع نفسي و أقول " سبحان من جعل قططهم ضحايا و ثوارنا أرهابيين ". 

أنها حكوماتهم و ليست شعوبهم..... و أنها حكوماتنا و شعوبنا يا أصدقائي