2012-12-27

طيفك

مولدي كان يوم رأيت عينيك
و موتي يوم رحلت عني ظفائرك
و بين ذاك اليوم و ذاك
حياتي كلها كانت
 أشبه بقطرة مطر
سقطت و تبخرًت
ولم يبق منها أثر
هكذا بسرعة
مع أني أحسست بليالي فراقك
 ثقيلة..طويلة
و لم يبق من حطام الحب
غير العطر و الصوًر
و لوحة أرسمها
كلها ألم و ظلال و خيال
فأحس بروحي فيها و كأنها 

 مركب كسير
يرسم وجه القمر




 


2012-12-25

الكرسمس...يحدث ذلك معي كل سنة

ما أكره في موسم العطل الرسمية كأعياد الكرسمس و غيرها هو التسوًق الذي يسبق هذه الأعياد...فما وفرته بسنة تفقده في يوم...و على هذا الأساس و من منطلق " نتفي ريشه حتى آخر درهم حتى ما يشبع و يباوع على غيرك " قررت زوجتي الحبيبة و بمناسبة أعياد الميلاد  أن تأخذ جميع أفراد العائلة بما فيهم أنا للتسوق " جنابي فقط للدفع "  و هكذا تم أقتيادي الى المول صاغرا طائعا كالخروف يوم النحر و حجة زوجتي في ذلك هي الخصومات الرهيبة التي يسيل لها اللعاب " و تسيل لها نقود الجيب " و التي تقوم بها المتاجر في هذه الفترة من السنة  . وصلنا الى المول المكتض بالناس و كان أيجاد موقف للسيارة أمرا أشبه بالمستحيل و لكن زوجتي وجدت حلا لهذه المشكلة التي يعاني منها كل المتسوقين في تلك المناسبات...فقالت لي " روح أطبك يم الباب و نزًل كل العائله باقرب مكان من باب الدخول و بعد أن ننزل روح أنت حير بنفسك و بأين ستوقف السيارة "..طبعا آني أستحسنت الفكره و أثنيت عليها...فما ذنب الأطفال يبقون يفترون بالسياره معي " طبعا دا أقنًع بنفسي حتى لا أحس أنه أنا الوحيد الذي سيعاني من هذا المقترح " ...المهم نزلت العائلة و بقيت آني أفتر حوالي الساعة الى أن لكيت موقف ...التحقت بالعائلة الكريمة داخل المول فسأتني زوجتي عن سبب تأخري...شرحت لها و بكل هدوء و من غير عصبية عن صعوبة أيجاد موقف للسيارة في مثل هذا اليوم...طبعا زوجتي ما تفوًت أي مناسبة دون أن تخطب خطبة حماسية براسي ..فأنطلقت التعبيرات و الجمل المشجعة لرفع معنوياتي مثل " أشو الكل موكفين سياراتهم و ماعندهم أي مشكلة أشو بس أنت تنوح على مكان " و " هاي لو آني كنت دا أسوق السيًارة كان لكيت موقف في خلال دقيقة " و ما أدري ليش كل ما نطلع وياك للمول ما نلكي موقف للسيارة من دون كل العالم " و غيرها من هذه الترانيم التي تمس شغاف القلب و اللي أحمد الله على أننا في بلد أجنبي و الناس من حولي مدا يفتهمون شدتكول زوجتي و ألا كنت فعلا صغرت بعيونهم
المهم سارت العائلة و انا من خلفها أحمل طفلي ذو السنتين و هو يلعب بلعبته المفضلًه و هي المسدس البلاستيكي و كأن كل اللي دنشوفه بالاخبار و الافلام من أسلحة و مسدسات مو كافي ..بس طفلي ذو السنتين هذا كان الوحيد من أفراد العائلة الذي  ينصت لهمومي بأهتمام دون أن يقاطعني...فقلت له و بصوت منخفض حتى لا تسمعني زوجتي " أكيد مو خوفا منها بس منعا لجرح مشاعرها و أحاسيسها ".. أسمع وليدي من تقرر الزواج راح تشوف نفسك ملهوف كلش على الفكرة ما تدري ليش...و بعدين تصرف دم قلبك حتى توفر أفضل ما موجود لنصفك الثاني  الأكشر...و بعد ذلك ستعتقد أنك ما تبقى من عمرك سيكون ربيعا دائما حالما تجد هذا النصف الثاني ...بس بعدين راح تكتشف أن ما أردته بملء أرادتك هو بداية مشوار القهر...وراك مصاريف البيت و بعدين مصاريف السيارة ثم مصاريف الأطفال و خلال هذه الرحلة الشاقة سيكون مطلوبا منك أن توفر مبلغا لشراء بيت و كل ما يتطلبه من أثاث يواكب متطلبات العصر مما تمتلكه النسوة صديقات المحروسة زوجتك . و بأفتراض أنك ستستطيع توفير كل ذلك سترى و بعد أن تحقق للجميع ما طلبوا منك توفيره أن رحلتك في هذه الدنيا قد شارفت على الأنتهاء و حين ترحل سيقول عنك الجميع " مسكين...خطيًة ما يستاهل " بس ما أعرف ليش يكولون خطية...هل لانهم يقدرون ما مريت به أم لأنهم يعرفون أنك قد مت بدون أن تعبر للجميع عما بداخلك و عن معاناتك بحجة الحفاظ على أسرار البيوت أم أنهم يقولون خطيًة لأنك أفنيت عمرك في أسعاد الآخرين و قبل أن تموت تكتشف أنك الوحيد الذي وفًر الراحة للجميع و لكنك الوحيد الذي لم يحس بطعم الراحة...انت شنو رأيك بالموضوع ؟ . طبعا أبني الصغير كان مشغولا بما حوله من بالونات ملونة و مهرجين مبتسمين للرايح و للجاي و يضحك غير مبال بدمعه أبيه.

هنا ألتفتت الي زوجتي و نظرت الى وجهي السمح بأبتسامة قائلة " شوف الناس...كلها شايلة أكياس و مشتريه أشكال ألوان...حتى لا تخبصني بأقوالك المعروفة و تكول بس أحنا اللي خابصين نفسنا و جايين نشتري " ...طبعا أنا أكدت لزوجتي العزيزة انها على حق و اني مقتنع بكل كلمة ذهب تقولها و كلامها لا يحتاج لأي براهين ...هنا سمعت أبني الكبير و هو يهمس بأذن أخيه الأصغر منه و هو يقول له " شوف وجه بابا شلون يتغير من يكذب " ...هنا رمقته بنظرة أخرسته و جعلته يتسمًر في مكانه كالتمثال  " من دبش "

هنا دفعتني زوجتي الى محل لبيع ملابس الأطفال و طلبت مني أن أشتري بعض الملابس لصغيرنا لحين عودتها من المحل المجاور المختص ببيع الأزياء النسائية . فوًضت أمري الى الله و حملت أبني الصغير ثانية و توجهت به الى محل الأطفال .أبني الصغير كان سعيدا بمسدسه البلاستيكي الذي كان يوجهه على أي شخص مار بقصد اللعب معه و حين دخلت لمحل ملابس الأطفال هذا رن جرس الأنذار بصوت عال جدا و أخذ الجميع يحدق بي..أكيد أن المسدس اللعبة الذي في يد أبني هو ما جعل جرس الأنذار يدق ..قلت لهم بأنكليزيتي المخربطة أن المسدس الذي في يد أبني  هو مجرًد لعبة أطفال ليس ألا ...لا أعرف أن كانوا فهموا كلامي أم لا لكني رأيت عاملين من عمال المحل و هم يتوجهون نحوي بسرعة ...آني هم كلت لنفسي " يا روح ما بعدك روح " و شلييييع ركضت بأسرع ما تقدر عليه رجلي و أنا أحمل طفلي في حضني...سمعتهم يصرخون و ينادونني و يطلبون مني  أن أتوقف...طبعا آني أستمريت بالركض و لم أمتثل لأوامرهم ..هنا رأيت عمال المحل و هم يطلقون سيقانهم للريح خلفي...آني هم كمت أدوس بانزين زايد و شليييييع. سمعتهم يصرخون خلفي " سيدي..قف أرجوك "...هههه...يا سيدي يا بطيخ. ..ولم اسمع كلامهم و بقيت أركض و بسرعة شديدة  الى أن عثرت بكيس كبير كان فيه دب أبيض فطرت بالهواء ...أبني طار في الهواء مبتعدا عنًي و لكن لحسن الحظ تمكن أحد المتسوقين الحبابين من تلقفه. بس آني مع الأسف أنشاليت و أنلطخت بالارض بدون أن يتلقفني أحد..و هنا و مع شديد الاسف وصل اليً عمال المحل و هم يلهثون و أنفاسهم تكاد تتقطع و قالوا لي " سيدي ...لماذا تركض...مو شلعت كلبنا "..فأجبتهم "  أني شمدريني ...شفتكم تركضون خلفي  فآني هم أنطيتها اللهيب " ...فطمأنونني بقولهم " سيدي ..أن الجرس رن ليعلن أنك الزائر الفائز بجائزتنا لهذا اليوم ....مبروك " ...معقولة هيجي الحظ يسويهه و يبتسم لي لو أخاف الجماعة حاطيني في برنامج الكاميرا الخفيًة " سألتهم بأستهزاء  و كم مبلغ الجائزة و هل يستحق  مني هذه السقطة على كاشي المول المؤلم ..أجابوني قائلين لي أن صاحب المحل سيسلمك الجائزة المفاجأة بنفسه حالما تعود معنا ثانية الى المحل"
لملمت نفسي و أخذت أبني الصغير من المتسوق الذي تلقفه و مشيت مع عمال المحل و أنا أعرج من شدة السقطة و كنت أشعر بأن ساقاي كالنار من شدة التزحلق على كاشي المول. المهم رفعت رأسي و مشيت بكل أباء خلال الجمع المحتشد الذي كان يشيد بي و يهنأني بضحكات على الجائزة التي فزت بها...ملاعين ناصبين علي
وصلنا للمحل و شاهدت العمال و هم يهمسون بأذن المدير ببعض الجمل...شاهدت مدير المحل يدخل لغرفته مع العمًال الذين ركضوا خلفي و شاهدته من خلال نافذة مكتبه و هو يغص بالضحك مع عماله...هنا أنتابتني العصبية...فما شاهدته كان أكبر دليل على أن العلاقة بين المدير و العامل في هذا البلد هي علاقة طيبة...فالعمال و كما هو واضح قصًوا للمدير نكتة فدخل مع عماله الى داخل المكتب ليضحكوا على راحتهم بدون أزعاج للزبائن...خوما مثلنا...المدير يتفنن بكيفية أهانه من يرأسهم و كأنهم خدم له. تمنيًت لو أني شاركت المدير و عماله نكتتهم لاني كنت أشعر أني بحاجة الى بعض الترويح
و بعد عدًة دقائق خرج المدير مع عماله و توجه الي و قال لي و هو يكتم ضحكته " مبروك يا سيدي ...لقد ربحت جائزة هذا اليوم و هي عبارة عن تذاكر لك و لعائلتك لزيارة مدينة الملاهي و على حسابنا "
أعطاني المدير التذاكر بعد أن التقطوا بعض الصور التذكارية معي و التي قالوا عنها أنها سوف تستخدم للأعلان و الدعاية للمحل...شوفوا بالأخير شلون صرت أيقونة يلتقط معها أصحاب المحال صور لجذب الزبائن...من يدري..ربما غدا يتهافت علي مخرجي هوليوود و أصبح ممثل مشهور..كلشي جائز بهاي الدنيا...لعد مو بيًاع سبح صار رئيس وزراء..قابل بقت علي
ذهبت للبحث عن زوجتي و ما أن وجدتها حتى أخذت أقص بفرح و حبورعليها كيف أننا ربحنا هذه الجائزة و كيف أني أصبحت مشهورا . نظرت الي زوجتي بعصبية متجاهلة كل ما قلته لها و سألتني و هي تضع تذاكر الجائزة في حقيبتها " و أشتريت ملابس للطفل لو لاء...مو آني أعرفك..كل ما أدزًك حتى تقوم لي بعمل تروح و ترجع و أنت لم تنجهز ما أرسلتك من أجله  "  و هكذا أستمرًت زوجتي في خطبها الحماسية لرفع روحي المعنوية و تذكيري بكم أنا عضو مهم و فعًال في هذه العائلة السعيدة.
ما أطولها عليكم..رجعنا من السوق و الجيب خاوي و الكل محمًل بأكياس معبأة بما أشتروه . الكل كان فرحان الا من دفع ثمن هذه الأغراض. ألقيت نفسي على أقرب أريكة و غطًيت بنوم عميق من شدًة التعب
المهم قررنا أختيار يوم العطلة هذا للذهاب الى مدينة الملاهي و التمتع بالجائزة التي فزنا بها . حزمنا أغراض السفرة و ركبنا السيارة الجديدة التي أشتريناها مؤخرا " بالأقساط الغير مريحة " و أنطلقنا الى مدينة الملاهي . كان مدينة بحق فقد كانت كبيرة و مليئة بالألعاب التي يجب أختيارها بدقة. فهناك العاب غير ملائمة لذوي القلوب الضعيفة. و هناك ألعاب غير ملائمة للأطفال دون سن العاشرة لخطورتها. و هناك ألعاب غير ملائمة لمن عنده كسور قديمة في عظامه و هكذا. لهذه الأسباب أصبحت خياراتي محدودة خاصًة و أن طفلي ذو السنتين تركته أمه معي. لم أجد الكثير من الألعاب حتى نستمتع بها أنا و طفلي الصغير. و هناك شاهدت قطارا قديما يمشي على سكة تطوف حول مدينة الملاهي و يدخل في نفق و يتوقف في منطقة أنشئت على شكل منجم للفحم وهو ملائم لكل أفراد العائلة. قرأت كل ذلك على لوحة أعلانية لهذا القطار فقررت أن أركب أنا و طفلي بهذا القطار
أستقليت القطار و أخذ يدور بنا . الكابينات كانت مفتوحة و بدون سقف و الهواء العليل يضرب وجوهنا. المناطق التي يدور حولها القطار كانت رائعة. شلال أصطناعي هنا و بحيرة للبجع هناك. أنا و أبني أستمتعنا بالمناظر المحيطة بنا أشد الاستمتاع. و بعد أن قطعنا مسافة لا بأس بها لاح لنا من بعيد نفق و مكتوب على مدخله " منجم للفحم " . دخل القطار النفق الذي كان مضيئا و توقف هناك . شرح لنا سائق القطار أن المنجم هو منجم أصطناعي و لكنه يشبه المنجم الطبيعي حيث ترى عربات نقل الفحم و تماثيل على شكل عمال منجم بكامل بزة العمل المتميزة. نصحنا السائق بالبقاء خلف الأسوار التي تحيط بالمنجم من الداخل أثناء تجولنا في المنجم و أن نعود للقطار بعد عشر دقائق لأننا سننطلق لأكمال الرحلة بعد ذلك.  أخذت أبني الصغير و أخذنا نتجول في المكان.كان بالفعل يشبه منجما حقيقيا. الفؤؤوس المعلقة و أدوات الحفر كلها حقيقية . و هناك رأيت عربة مليئة بالفحم و لكنها كانت خلف السور. أردت أن أعرف أن كان هذا فحم حقيقي أم هي أحجار صبغت باللون الأسود . تلفًت يمينا و شمالا لأسأل سائق القطار و لكنه لم يكن هناك. قلت لطفلي أن يبقى في مكانه ريثما أتسلل لأتلمس تلك الأحجار و أتبين أن كانت فحما حقيقيا أم لا. فأنا شخص ليس من السهولة خداعه . حاولت التسلل بتسلق السور المصنوع من الحبال . و أنا فوق ذلك السوراللعين فقدت توازني. فقد كانت الحبال راخية و أخذ جسمي يتأرجح فوقها و أنا أحاول البقاء متوازنا على تلك الحبال. و جروووووب . وقعت داخل المنطقة التي يحيط بها السور و أحسست أن جسمي كله غمر تحت أحجار الفحم. حاولت النهوض بأزاحة تلك الأحجار عن جسمي الذي كان مدفونا بالكامل داخل تلك الأحجار. و بعد دقائق مرًت ثقيلة أستطعت الخروج من بين كومة الأحجار تلك. و ما أن تسلقت السور ثانية أسرعت الى أبني حاثا أياه بالأسراع بمغادرة المكان قبل أن يكتشف أحدهم ما حدث. لكن أبني ما أن رآني حتى بدأ بالصراخ و البكاء. يمعود هاي شبيك .سألت أبني و لكنه أستمر بالصراخ و هو يحاول أن يركض مبتعدا عني و هو يصرخ " بابا...بابا "...يمعوًد ..هاي آني أبوك...هاي شبيك..تجمًع الناس حين سمعوا صراخ أبني و أخذ الجميع ينظر الي مبهوتا. تقدم مني سائق القطار و سألني لم أحاول أفزاع الطفل الصغير و هو يسأل الجميع عمن هو والد أو والدة هذا الطفل. قلت له بأني والد هذا الطفل لكني لا أعرف ما الذي جرى له . أوضح لي سائق القطار أن وجهي و جسمي كله مغطى باللون الأسود و سألني عما جرى مرجحا أن يكون الطفل لم يتعرف على ملامح أبيه و أن يكون شكلي المبهذل قد أخاف الطفل. لم يكن هناك مهرب من شرح ما حدث لسائق القطار و أنا أكتم غيضي من أبني الذي فضحني أمام الجميع. أنطاني سائق القطار الطيب خاولي لأمسح وجهي حتى يتعرف أبني علي و معها غرامة بالشئ الفلاني لخرقي تعليماته. عندما مسحت وجهي ذهب الفزع عن أبني الصغير و أخذ يؤشر بأصبعه علي و هو غارق بالضحك و يصيح " بابا...اسود "الله يسوًد ليالي عدوك يا أبني..هاي فوك تعبي معاك
ركبنا القطار مكملين الرحلة و أنا في حالة يرثى لها . الكل كانوا يتهامسون و يضحكون فيما بينهم. ملابسي مغطاة بتراب الفحم الأسود و لكن كل هاي بكوم و الغرامة اللي ركعني بيها سائق القطار كانت بكوم ثاني.
وصلنا الى نهاية الرحلة فأخذت صغيري و أسرعت مبتعدا عن المكان و أخذت أبحث عن بقية العائلة. و بعد فترة ليست بالقليلة وجدت زوجتي و أبني الكبير و الأوسط . نظر الي الجميع بدهشة فشرحت لهم ما حدث . أطلق الجميع ضحكات مدوية و أخذت أتظاهر بالضحك معهم حفاظا على ما تبقى لي من كرامة. قلت لهم بان علينا العودة سريعا الى البيت لأني أبدو مضحكا بملابسي المتسخة هذه لكن لم يستحسن هذه الفكرة أي من أفراد العائلة . فبالنسبة لهم كانت مدينة الملاهي كبيرة و النزهه لا زالت في بدايتها. تفتق ذهن زوجتي عن فكرة . و بعدها وجدت نفسي جالسا قرب سيرك في الهواء المفتوح حيث الكثير من البهلوانات الذين أصطبغت وجوههم بألوان مختلفة و يلبسون ملابس ملونة و يقومون بأستعراضات في الهواء الطلق لأسعاد جمهور مدينة الملاهي كانوا يجلسون منتظرين أدوارهم في القيام بفقراتهم للترفيه عن الناس . كنت أنا بملابسي المتسخة لا أبدو غريبا عمًن يحيط بي . فالجميع كان يظن أني ألبس هذا اللبس لأني سأقوم بفقرة ما مع المهرجين . بقيت على هذه الحال ساعات عدة الى أن عاد جميع الأسرة بعد أن أستمتعوا بأوقاتهم أشد الأستمتاع. و في طريقنا الى السيارة فاجأتني زوجتي بقولها أنها لن تسمح لي بركوب السيًارة بملابسي المتسخة هذه. فالسيارة جديدة و ملابسي ستجعل مقاعد السيارة متسخة بتراب الفحم. توسلت بزوجتي أن تجد حلا لهذه المشكلة خاصة أن بيتنا يبعد حوالي السبعين كيلومترا عن بيتنا و أنا لا أستطيع قطع كل تلك المسافة مشيا على الأقدام. و بعد تفكير قليل قالت لي زوجتي " أحسن شئ تروح و تشتري ملابس تنكرية من التي يبيعونها داخل مدينة الملاهي و تلبسها بدلا عن ملابسك المتسخة هذه " لم أفهم عن أي ملابس تتحث زوجتي فجرتني من يدي لتدلني عليها و هي تواسيني على ما أنا فيه و تقول " يعني أذا آني مو وياك أنت كل شئ ما تعرف تسوي " . وصلنا الى محل صغير فسألت زوجتي البائع عن ما هو متوفر من ملابس لشرائها .سأل البائع عن القياس الذي نبحث عنه فأجابته زوجتي بأنها تبحث عن ملابس لزوجها الذي هو أنا قائلة عني أني " مثل فحل التوث اللي في البستان هيبة " . فقال البائع " و الله بعنا كل الملابس اللي من هالقياس ما عدا ملابس على شكل الأرنب و البقرة فأيهما تريدين " فطلبت زوجتي ملابس الأرنب . حينها عرفت أن هذا المحل هو محل لبيع ملابس تنكرية يقوم من يلبسها في تسلية الأطفال في مدينة الملاهي هذه . آنه أخوك...هاي تاليها..راح ألبس ملابس أرنب..هاي بعد عمري الطويل الذي أفنيته في خدمة العائلة أخرج من مدينة الملاهي هذه بملابس أرنب!!! أوضحت لزوجتي أن كرامتي لا تسمح لي بلبس مثل هذه الملابس خاصة لرجل في مثل عمري . أجابتني زوجتي مواسية و هي تقول لي و بكل حنان " شوف...يا ملابس الأرنب يا البقرة...أنت أختار..و لا تنسى أنه أنت من وضع نفسه في هذا الموقف السخيف "..فأوضحت لها بأني كلًي أرادة و عزم أن لا أقوم بلبس مثل هذه الملابس السخيفة .

عدنا الى أطفالنا الذين غصًوا بالضحك حالما رأوني و أنا مرتدي ملابس الأرنب فقمت بوضع قناع الارنب على وجهي خوفا من أن يراني أحد أفراد الجالية العراقية في ذلك البلد و بعدين تصير فضيحتي بجلاجل
 
عدنا الى البيت و أنا أسوق السيارة بملابس الأرنب تلك . لم أقف في أي من الترفك لايتات الا و أسمع تعليقات من كل مكان ...هذا اللي يقول " أرنب يسوق...لعد ليش يحجون على الأفيال اللي تطير بالعراق " و الآخر يصيح بأعلى صوته " هاي لازم بعت مزرعة الجزر مالك و أشتريتلك هاي السيارة " و ثالث نزل من سيارته ليسألني أن كنت سأشارك في سباق المئة متر في الدورة الأولمبية المقبلة ضد السلحفاة "  و رابع يتسائل أن كانت بورصة الجزر قد حققت أرباح خيالية...و أخيرا وصلنا الى البيت و أنا ممتلئ غيضا . شاهدني جاري الأجنبي فطكها بضحكة و هو يؤشر علي و يقول " هاي شنو لبيب...أشو اليوم صاير أرنب...مو البارحة كنت أسد...شنو منك.. هاي تالي الزلم " و طكها بضحكة مجلجلة . هنا لم أتملك أعصابي فصحت به قائلا " و لك شوف...مو العتب عليك...العتب على الزمن الأغبر هذا...أحنا كنا و لا زلنا زلم أسود...العراقي دائما أسد...بالعراق و خارج العراق هو دائما أسد...و يجي يوم و يرجع العراق معافى و نشوف هذاك الوكت منو الأرنب ..و لك كله من حكوماتكم اللي تحيك الدسائس لتجعلنا أرانب تخوفها...أو بقرة لتحلبها...أو خرفان لتقودها حيث تريد...نعم بلدنا يتبع فيه الناس الأخرس و يحكمهم الحرامي و يحرس أمنهم الخائنون و يدافع الناس عمن ظلمهم و سرق قوتهم و لكن مهلا...سيأتي الوقت و سترون أنه في النهاية سوف لا يصح الأ الصحيح " جاري الأجنبي أجابني قائلا " معود لبيب...اكعد عدل و أحجي أعوج " جاوبته و قلت له ...لاء..أنت اللي لازم تكعد عدل و تحجي عدل ..فأجابني قائلا " لاء ..أنت اللي لازم تكعد...اكعد أشو ..أكعد...أكعد "
و هنا أفقت على صوت زوجتي و هي تهزني و تصيح بي ...أكعد لبيب...أكعد...أكعد..أشو من أجينا من المول لي هسًة و أنت نايم على هاي القنفة..ليش ما تروح و تنام بمكانك بالفراش "
فنهضت متثاقلا و أنا أقول لها " أنت و الأطفال روحوا لمدينة الملاهي لوحدكم و أستمتعوا بالجائزة ..أنا لا أشعر برغبة في الذهاب الى هناك " . أستغربت زوجتي من كلامي هذا. أنسليت تحت الفراش و أنا أدمدم مع نفسي و أقول " أعياد الميلاد و رأس السنة الجديدة كانت في وطني أحلى بكثير منها في أي مكان آخر في الدنيا...السلام عليك يا وطني...السلام على بغداد السلام...السلام على بلد المسلمين و النصارى و الصابئة و الأزيديين و غيرهم ...السلام على الموصل و برطلة و بعشيقة و أربيل و السليمانية و كربلاء و البصرة و النجف و الرمادي ..السلام على بلد الأسود...ظللك الله بالسلام يا بلد الأنبياء  "..و أخذت أغطي في نوم عميق و أنا أسمع صوت كصوت زوجتي يقول " و عليك السلام و رحمة الله و بركاته لبيب ..المسكين كام يهذري من أول طلعة تسوًق...لعد هاي لو أحجي له على تذاكر الطائرة اللي أشتريناها للعائلة البارحة حتى نزور أخته اللي بكندا شراح يصير بيه ؟؟!! " 

أويلي عليك لبيب

 كل عام و الجميع بخير

 






2012-12-10

أمطارنا...و حمارنا

هذا اليوم لم يكن مثل باقي الأيام...فقلما يشهد أهل حيًنا حدث مثل هذا. فاليوم و بعد أن يأس الجميع من أن يشهدوا حدثا يعيد لهم الأمل و التفاؤل الذي فقدوه منذ مدًة ليست بالقريبة بدأت بشائر الأمل بالمطر عندما أخذت قطرات المطر تهطل. أنفرجت أسارير الحجيًة والدتي و هللت قائلة " يا الهي...منًك الفرج " . خرجنا جميعا ننظر الى المطر الذي طال أنتظاره .قطرات و قطرات كبيرة تنزل بقوة على الأرض فتتناثر مداعبة تراب الأرض. خالتي أم عدنان صاحت بوالدتي " حجية أم لبيب...شفتي...السيد كال يجي يوم و تمطر  " طبعا أنا ضحكت في قرارة نفسي و أجبتها بصوت عال " خالة أم عدنان...يعني قابل مقولة السيًد هي من عناصر دورة الماء في الطبيعة " طبعا نهرتني خالتي ام عدنان غاضبة و قالت " مسودن أنت شنو اللي مفهمك...لو كان براسك خير كان لكيت شغل " .  قلت في نفسي " هسًه الا تترزل لبيب....أشو كلما تبدي رأيك تترزًل " . عمي ثجيل صاح هو الآخرر بينما وتيرة نزول المطر تتسارع و قطرات المطر تكبر " آلهي...شوية كهرباء حتى نكعد وزن " ...قلت له صائحا " عمو ثجيل..مو ماي و كهرباء يعني راح تنًتل نتلة قوية...و نتلة الكهرباء مو زينة عليك " هنا أكمل عمو ثجيل دعائه " يا رب شوف شغله لهذا لبيب وبلكت تكون في الصين حتى فد مرًة نرتاح من هالقهر " هاي شنو اليوم...أشو ياهو اللي أحجي وياه يرزلني
خالتي حمدية صاحت هي الأخرى من بعيد " اليوم  الله فرجها بالمطر و أكيد باجر يفرجها أكثر و تنحل مشكلة دبًات الغاز و البانزين " ...و أنا و بغريزتي المتوقدة أجبتها " خالة حمدية شنو يعني...قابل باجر راح راح تمطًر دبات غاز و جليكانات بانزين " هنا صاحت خالتي حمدية " من أن شاء الله فد دبًة غاز تنزل على راسك و نخلص " ...للمرًة الثالثة أترزًل في يوم ممطر
هنا أشتد المطر و كبرت حباته. بدأ منسوب المياه بالأرتفاع و وصل الى حافة الرصيف. شاهدت القلق على وجوه الحميع لكن خالتي نشمية الخبازة طمأنت الجميع مذكرة أياهم بما قاله أمين العاصمة حول جهوزية مجاري المدينة لأبتلاع أكبر حوت موجود على الكرة الأرضية مضافا اليه فيل طائر و غواصًة صغيرونة . بدا الجميع أكثر فزعا من قبل بعد أن أنهت خالتي نشمية تطميناتها حيث ذكرتني وجوههم بوجوه  الناس الجالسة في المقهى وهم يسمعون و عبر التلفاز وعود أبو أسراء ام المائة يوم .

أستمر نزول المطر و بشدة .و بدأ منسوب المياه المختلطة بمياه المجاري بالصعود الى حافات الأبواب الخارجية و بدأ الماء يتسرب الى داخل البيوت . هنا و كبًت العيطة . أبو عدنان علًق ذيل دشداشته بفمه خوفا من أن تبتل بالمياه و أخذ يركض يمينا و شمالا بحثا عن سطل يكرف بي الماي. أم عدنان صاحت به و بشدًة بأن ينزل من تلابيب الدشداشة خوفا على عذارى المنطقة من منظر سيقانه البهي . كما سمعت صراخا آتيا من بيت خالتي نشمية الخبًازة. ركضنا كلنا بأتجاه بيتهم عبالنا واحد غرك . خالتي نشمية كانت تولول و تلطم على خدودها . هاي خاله شبيج ؟...فأجابتنا و هي تلطم " يمًة التنور مالي الي فوك السطح غرك والماي وصل لي حلك التنور . أنا علقت بعفوية و قلت لها " خالة بعد شتريدين...مسبح فوك السطح...حتى أبو أسراء الوردة ما عنده هيجي شئ " و هناك و ما حسًيت الا و علباتي مثل الجمرة من أثر علابيه أنطاها لي عمًي أبو عدنان و هو يقول  " ولك ما شايف رزق الناس أنكطع و أنت جاي تنكًت على هالطركاعة " ...طبعا أنا تأثرت جدا بهذا الموقف الذي جرح كرامتي لأبعد الحدود و أجبته قائلا " عمي قابل هيه علم...تزرف التنور من الأسفل و يطلع الماي و كلشي يكعد وزن " طبعا الكل نظر الي بعين العطف من جرًاء العلابية التي أكلتها ثم بعين الأحترام على فكرتي بزرف التنور من الأسفل و كأني قد أفصحت لهم عن أسرار صناعة صواريخ الفضاء 

أستمر نزول المطر بشدًة و أزدادت معها مصائبنا . مدرسة الأطفال غرقت و ذهبنا لنقل الأطفال الى بيوتهم أنا و جارنا عمًار أبن خالتي حمدية . فهو يملك عربة يجرها حمار يستعملها في بيع الغاز . و الشهادة لله حماره هذا طلع بلوى...ماكو حفرة بالشارع ما يعرف مكانها و يتجنبها حتى و أن كانت الشوارع مغمورة بالمياه . و الله عمًي طلع حمار عفريت يفتهم أحسن من حكومتنا و يفيد الناس أحسن منهم. يا ريت كل أعضاء البرلمان مثل هالحمار . الحمد لله تمًت عملية أخلاء المدرسة بدون أي خسائر لا من طرف الطلًاب و لا من طرف حمارنا و عربانة عمًار
و أستمر هطول المطر و غرقت الشوارع و أنقطعت الكهرباء المقطوعة أصلا و صار حالنا حال. الكل كان حزين و كئيب في هذا اليوم الا أثنين ..بط خالتي نشمية الخبازة اللي وجد في تنورها الممتلئ بالماء ملاذ للسباحة التي لم يمارسها منذ فترة طويلة و صديقي عمًار أبن خالتي حمدية الذي أخذ يتفاخر بأن كل السيارات الحديثة الفارهه التي يركبها حديثو النعمة قد توقفت بعد أن غمر الماء محركاتها بينما أستمر حماره الذي أشتراه بعرق جبينه بالسير في الشوارع المغمورة بالمياه دون صعوبة تذكر
و بعد أن توقف المطر بدأ الجميع بتنظيف البيوت و محاولة سحب المياه من داخلها و عمل جسور من الطابوق بين بيوتهم و بين الشارع الرئيسي. و مع كل هذا لم نر أحد من أمانة العاصمة أو من أعضاء البرلمان يواسينا و يعيننا على بلوتنا .أين ذهبت نقود الميزانية . ماذا كانت تفعل أمانة العاصمة . مالذي خططوه لشتاء هذا العام . ماذا لو أستمر المطر بالنزول لأسابيع . أسئلة نسألها و نسمع صدى أصواتنا و لا شئ غير ذلك.  و هنا سمعت جارتنا الخالة حمدية و هي تضرب كفا بكف و تقول " مطرنا مثل حكومتنا...أي و الله مثل حكومتنا " هنا هرشت شعر رأسي المسكين لأني لم أفهم العلاقة الجدلية بين المطر و الحكومة خاصًة و أن البطيخ ليس من فصيلة الشلغم فسألتها قائلا " خالة حمدية...شنو الربط بين المطر و الحكومة " باوعت علي خالتي حمدية و هزًت رأسها قائلة " و لك مسودن فوكاهه الحجية مسميتك لبيب...أسم على غير مسمًى من هاي ما لاكي شغل ليهسًة " هنا رجوت خالتي حمدية بالأجابة على سؤالي بدون رزايل و جرح مشاعر فأجابتني قائلة " يمًة الحكومة مثل مطرنا هذا...من جتي عبالنا أجا الخير.... و بعدين و بالنهاية ما أكلنا غير الطين...أفتهمت ؟؟ "...قلت في نفسي و الله عمي خالتي حمدية كلها حكم...بس جيب اللي يفتهم
السؤال في نهاية هذه الحلقة هو ...كم يسوى حمار جارنا عمًار بعد أن أثبت و بجدارة أنه أهل للثقة أكثر من أمين العاصمة...سؤال يجاوب عليه اللي يعرف قدر الحمار...و قدر أمين العاصمة و أعضاء الحكومة الساهرة على خدمة المواطن
 
من مذكرات واحد نايم و رجليه بالمطر    
 
 
دائما تثبت لنا أيام الأمطار..اننا لايجب أن نثق الا بالحمار