2010-08-27

من التراب... الشعبي

كان يا ما كان في قديم الزمان " ليس منذ زمن بعيد و لكن وضع العراق الحالي يوحي باجواء القرون الوسطى " كان هناك واحد حباب اسمه روميو جاسب من منطقه عفج. كان هذا الشخص ذكيا , لبقا و محبوبا من الجميع . كان الولد الوحيد لامه التي لم تبخل عليه باي شئ . روميو هذا كبر و ترعرع و تعلم في أحسن مدارس عفج الارسقراطيه و كان ترتيبه الاول على صفه بكل المراحل الدراسيه. استطاع روميو دخول كليه الطب بعد ان استطاع جمع معدل كبير في الامتحانات النهائيه للمدارس الاعداديه. أختار كليه الطب ليحقق رغبه خاله ثجيل الذي كان يتطلع الى اليوم الذي يتخرج فيه ابن أخته من كليه الطب و يعالجه بالمجان من الامراض التي المت به بعد الاحتلال كالزحار و الاسهال المزمن و قطع في الحبال الرابطه لحذائه و التي كان يلوم الحكومه و قرودها بالتسبب له بهذه الامراض. لكن روميو أوضح له ان أمامه ست سنوات حتى يتخرج كطبيب متدرب و تمنى ان يعيش خاله حتى ذلك الوقت و لكنه اسدى نصيحه الى خاله بان يدعوا من الله ان ياخذ عمر كل قرد في العراق فذلك ما سيعجل في شفائه ان أستجاب الله لدعاؤه

بدأ روميو سنته الدراسيه بنفسيه منفتحه على الدراسه و بتصميم على التفوق.و في يوم دراسي ممل رأى فتاه من طالبات الكليه جعلت قلبه يخفق بقوه تمنى معها لو ان تورباينات محطات توليد الطاقه الكهربائيه استطاعت ان تعمل بالقوه التي يدق بها قلبه حين رؤيته لتلك الفتاه. أصبح يراقب هذه الفتاه عن بعد فجمالها قد سلب لب قلبه كما سلب الجلبي بنك البتراء . احسًت تلك الفتاه بنظرات روميو و فهمت مغزاها . و لانه مؤدب و متردد و خجول قررت هي ان تاخذ زمام المبادره فتقدمت منه في أحد الايام و بادرته بصفعه قويه على خدًه مع بضعه كلمات فهم منها انها مخطوبه و انه أعمى لا يرى ان لم يشاهد حلقه الخطوبه في يدها و طلبت منه ان لا يتتبعها بنظراته

احس روميو بالخجل و قرر الاعتزال في بيته و ان لا يكلم أحدا على طريقه جدو سيستاني

و لكنه و بعد عده ايام و بعد ان أدرك ان مستقبله سيضيع ان لم يتابع دروسه و أن احدا لن يهتم بأمره " من باب فاليذهب الى الجحيم...من لم يعرف تدابيره حنطته تاكل شعيره...الخ من هذه الامثال المشجعه"  و ادرك ان عليه ان يتمسك بالكرسي الدراسي حسب نظريه  " ما ننطيهه"  للعلامه الدكتور النابغه نوري الذبياني .  فرجع الى الكليه في الاسبوع التالي و كله حماس و فتح و حزب الله ان يتابع دراسته بجد و اجتهاد و ان يكون هدفه ان يتفوق على الجميع دراسيا و بعد ذلك ستلتف كل جميلات و قبيحات الكليه طمعا في صداقه متفوق الكليه. و فعلا ادى صاحبنا روميو امتحانات تلك السنه بتفوق لا مثيل له و لكنه صدم انه كان هناك من هو اكثر تفوقا منه ممن اجتهدوا بتوزيع الدفاتر " ليست الامتحانيه طبعا " على الفاسدين من اساتذه الكليه

قرر روميو الاستمرار في نهجه على الرغم من كل هذه الصعوبات فدخل السنه الدراسيه الثانيه و في نيته التفوق على الكل بالرغم من كل المنغصات كالانقطاعات المتواصله للكهرباء و التفجيرات المدروسه و سيطره بهائم الاحزاب على الكليه و موت خاله ثجيل

توالت الايام وهو مثابرعلى الدراسه صابر على انقطاع الكهرباء و قله الماء و عفونه رائحته و مشاهدته للعديد من المخلوقات السابحه و الغواصه في مياه الشرب و من خلال مجهر الكليه تعرف على قسم منها و غض النظر عن القسم الاخر منها متمنيا انها ليست هي ما يعتقده من بكتريا فتاكه

جاء يوم و راى فتاه اخرى غير الفتاه الاولى جعلته يقع في غرامها من أول نظره. هنا نظر صاحبنا الى أصابع يدها ليتأكد انها غير مخطوبه لاحد.... و لم تكن. فقرر و بعد عده اسابيع من ملاحقتها بنظراته ان يتقرب اليها و يبادلها بعض الكلمات فتشجع و القى عليها تحيه الصباح. بادلته برد التحيه مع ابتسامه جعلته يطير عاليا كأفيال الحكومه. و منذ ذلك اليوم و هو يبادلها تحيه الصباح و الابتسامات. عرف انها كرديه من شمال العراق و ان اسمها نعيمه . كانت ذات جمال أخاذ جعلته لا ينام الليل....صحيح ان قله النوم كان سببه البق و الحر و الغبار و لكنه نسي كل ذلك و القى السبب على حبه الجديد

أستمرت هذه العلاقه العذريه الحميمه بينهما حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم الذي زار فيه الكليه ابن خال نعيمه و المسمى بروتوس الجلبي . كان بروتوس هذا مشهور بخبثه و دهاؤه و اجتثاثه لكل حب عذري بين حبيبين . يعرفه جميع الناس بعد ان سرق بروتوس هذا المحل الذي كان يشتغل فيه و المملوك ليوليوس الشامي . منذ ذلك الحين و هو يمارس الخباثات و السرقات و الاجتثاثات بابشع صورها و من سؤ حظ روميو و نعيمه أن بروتوس هذا شاهدهم سويه و ادرك العلاقه بينهما . بدأ بروتوس بحياكه خيوط مؤامره و خباثه جديده فطار بخبر هذا الحب الى عم الفتاه نيرون البزوني . و بدا بروتوس بتاجبج النار داخل قلب العم المتنفذ " باعتبار ان والدها كان متوفي " و اللعب على الوتر الطائفي و الفارق الطبقي و الماعوني فقال له ان روميو هذا من ديره عفج و انه من العفجيين الاقحاح و لا دم ملكي نبيل يجري في جسده و ان بين عشيره روميو و عشيره البزوني فوارق دينيه و طبقيه كبيره ...فماذا سيقول عنهم قرود الحكومه او اثرياء العشيره ان علموا بامر هذا الحب...ان هذا الحب لهو المهزله بعينها

بعث عم الفتاه تهديدا صريحا لروميو باخباره انه سيلحق بسردشت عثمان ان لم يكف عن حب الفتاه و انه سيطلق كلابه لتقطًع قميصه ان لم يقطع هذه العلاقه فورا

اصبح صاحبنا روميو في حيره من أمره فأما أن يستمر بالعلاقه الطاهره بينه و بين نعيمه و اما يرضخ لتهديد عمها الارعن و فكر بعمق بالذي سيحدث له و للفتاه ان قرر التحدي . و بعد تفكير طويل و مشاهده فلم " نحن لا نزرع البطيخ " قرر روميو ان يزرع الخيار بدل البطيخ و ان يضحي بحبه خوفا على حياته

و هكذا انتهى حب روميو الثاني...يا الله...ما هذه الخيبه...سال روميو نفسه... و حتى ينسى هذا الحب قرر ان يدفن نفسه بين كتب المنهج الدراسيه و فعلا فعلها في يوم اسود و لم ينقذه احد من الموت اختناقا غير صاحبه الذي جاء ليستعير بعض الكتب منه و ليجده تحت كومه الكتب ينازع الروح

اعانه صاحبه على نفض الكتب من فوقه و النهوض و ساله صديقه...مالذي جعلك تدفن نفسك بكتب المنهج المقرر هكذا ؟؟ فكتاب التشريح وحده كفيل بان يسحق اضلاع الصدر و الحكيم ان وُضِع فوقها فما بالك بكتب المنهج كلها ...فاسر له روميو بتفاصيل تهديد عم نعيمه له فقال له الصديق...و الله لقد جعلتني احزن كما حزن طالح المطلك عندما اجتثوه من الانتخابات....و اطرق راسه يفكر بفكره تخرج روميو من حزنه و قنوطه ...و هنا اهتدى الى فكره و قال له...لماذا لا تزرع البطيخ في حديقه القسم الداخلي خلال اوقات فراغك فهذا كفيل بان يشغلك عما انت فيه ...هنا دعى روميو صديقه هذا لمشاهده فلم " نحن لا نزرع البطيخ " و الجزء الثاني من فلم " الباذنجان الاسود ينفع في اليوم الابيض " و اقترح عليه ان يجد فكره بديله....فقال له الصديق...انظر....لماذا لا تنظم الى احدى الاحزاب المتنفذه لتصبح ذا سلطه و تبوله و في وقت قصير و حينذاك لن يستطيع احد رد طلبك و قتل حبك

استحسن روميو اقتراح صديقه و فكر ان يبدأ بأحزاب في محيط حزب عم الفتاه نعيمه فذهب الى اقرب مقر حزب ليجد اليافطه المعلقه على الباب تقرأ " حزب الحمير " ففكر في نفسه بانه ليس طبيب بيطري و لن يكون انظمامه لهذا الحزب فكره جيده ..استطاع شق طريقه بعيدا عن مقر الحزب بصعوبه بسبب الحمير المتجمهره و التي كانت في مظاهره للاحتجاج على اوضاعهم التي اضحت غير مقبوله بسبب الارهاق الذي يعانونه جراء استخدامهم لتهريب فاكهه النفط بين الجبال وصولا الى ايران...و قاده الاحزاب يقولون- ماكو هيجي حجي

اتجه روميو الى الى مقر حزب " المعتبر " ليجد ان رئيسه هو بروتوس الجلبي و ليخرج من مقر الحزب و قد فقد محفظته و ملابسه و لم يبق عليه شئ الا من سدر قليل بالكاد يستر العوره . نصحه بعضهم ان يذهب الى منظمه " فجر " فهناك سيجد السلطه و المال و بامكانه قتل من يشاء دون حساب. ذهب راكضا اليهم مع انه لا يحب القتل ليجد نفسه بعد وصوله الى مقر الحزب و في اقل من دقيقه مطاردا بعد ان عرفوا انه طالب متفوق في كليه الطب و انه لا يزرع البطيخ

و هكذا كلما طرق باب حزب ما فتح له باب من جهنم حتى لعن اليوم الذي قبل فيه بنصيحه صديقه. و في الاخير نصحه احد وكلاء اعمال الملله " بستاني " بان يذهب اليه و هو من سيفرًج عنه

دخل روميو غرفه الملله بستاني و جلس امامه و الملله صامت يحدق بالسقف و خرج بعد ثلاثه ايام من غرفه الملله بعد ان فقد كل امل بان يتحرك الملله بستاني او ينطق بكلمه فقد كان كل ما يفعله الملله هو الجلوس صامتا و اكل الثريد و مال الخمس ...و اتجه روميو مباشره بعد خروجه الى اقرب مطعم و الا كان سيلحق بالرفيق الاعلى من شده الجوع و العطش





 
ادرك روميو ان الحل ليس ان يكون مع هذه الاحزاب الشيطانيه بل ان يكون صادقا محبا لكل الناس و غير مساوم على مبادئه فاتجه الى الكليه لاكمال دراسته و التركيز على النجاح و التفوق مع عدم نسيان حبه لنعيمه و الذي كان دافعا له ليكون نقيا طاهرا بعيدا عن كل الوساخات التي تمارسها الاحزاب و متنفذي الحكومه و ليكون واحده من اللبنات القويه و النظيفه التي سيبنى عليها المجتمع في المستقبل...حجي كلش قوي

مرًت السنين و كان روميو مجتهدا في دروسه متفوقا على الجميع – عدا ابناء المسؤولين طبعا – و لكنه لم ير نعيمه بعد السنه الثانيه حيث ارسلها عمها المتنفذ لتدرس في الخارج و على نفقه الدوله و في احدى ارقى جامعات العالم ...خلي ياكلون طالما ان الدفع من جيب الحكومه المركزيه

تخرج روميو...فرحت والدته...فرح جيرانه...ذهب الى قبر خاله ليقرأ له سوره الفاتحه و ليعتذر منه انه تخرج و اصبح طبيبا بعد موته و لكنه سيعوض ذلك بمعالجه كل الفقراء و المرضى المحتاجين ما استطاع

في خلال اسابيع استلم شهاده الطب بتفوق و في خلال اشهر اصبح مطاردا من قبل فرق الموت التابعه لخدم الشعب " بسبب شهادته و تفوقه و ذكاؤه " و لم يجد له حل غير ان يكون احد المهجرين في احدى بلدان الجوار

والدته الان سعيده جدا...فابنها الدكتور حي يرزق...هي لا تريد اكثر من ذلك بالرغم من انها تعيله بما تبقى من مدخراتها الذهبيه بدلا ان يعيلها هو...صحيح انها حزينه انه لم ياخذ فرصته في بلده...لم يمهلوه حتى يشتغل بشهادته...لم يعطوه الفرصه ليبني حياته و يعيل امه و يبني مستقبله و يتزوج حبيبته التي يريد و ليعيش كما يعيش اي طبيب متفوق على وجه هذه البسيطه ..و لكن امه فرحه جذلى و تكاد تبكي من السعاده ان الله قد استجاب دعاؤها في ان ابنها حي يرزق... حتى و ان كان مهجرا في احدى بلدان الجوار ينتظر الفرج قبل نفاذ المال و متخذا لنفسه ركنا قصيا على قارعه الطريق ليفرش بسطه يبيع فيها ما قدره الله ان يبيع ليسد جزء من متطلبات المعيشه بانتظار اليوم الموعود.....ولا يزال روميو ينتظر بأمل حتى و بعد مرور عده سنين على حالته تلك و نسيانه لكل ما درسه في الكليه.....و  آآآآآه يا زمن شسويت بروميو و بالاف مثل روميو- اطباء و مهندسين و فنيين و طياريين و مدرسين و غيرهم- يبيعون معه الان على البسطات في بلدان المهجر و يدعون من الله ان ياتي اليوم الذي يشاهدون فيه الشمس و هي تشرق في العراق

انتهى الجزء الاول...انتظروا قريبا الجزء الثاني من القصه

الجزء الثاني....شنو هالسرعه

لم يتغير حال رميو عن حاله في نهايه الجزء الاول...الشئ الوحيد الذي تغير هو ان الامن الاقتصادي منع البيع في البسطات على قارعه الطريق و اصبح يعيش و من معه من اصدقائه على فتات ما تقدمه بعثه الامم المتنفذه في ذلك البلد بأنتظار اليوم الموعود  الذي اشرت اليه في الجزء الاول ....ها اتذكرت... و الشئ الثاني الذي تغير عن الجزء الاول هو ان القرود كبر حجمها و صاروا غوريلات ذوات حجم عظيم و فرخت قبائل امما...ما شاء الله....خلي ياكلون.....أنتهى

مقتبسه من رائعه شكسبير الخالده علاء الدين و المليون حرامي....بتصرف