2012-08-05

تعلًم التسامح...تعش سعيدا و تصير مكفخة طول عمرك

 الحياة أقصر من أن نقضيها في تسجيل الاخطاء التي يرتكبها
غيرنا في حقنا أو في تغذية روح العداء بين الناس.
براتراند راسل

في أيام العطل الصيفية و منذ كنا طلاب في المتوسطة كنا أنا و أخي الذي يكبرني بخمس سنين نذهب في الصيف الى بيت خالي رحمه الله في محافظة ديالى. كان هناك بستان العنب و أولاد خالي و الأصدقاء في القرية و السباحة في النهر و غيرها من الأشياء التي تغرينا في الذهاب هناك. كان أخي مواضب على تلك الزيارات الصيفية التي يقضيها بأستمتاع بالغ . و نتيجة لتلك الزيارات توطدت العلاقة الحميمة بيننا و بين أولاد خالي الذين كانوا بأعمارنا و أصغر.كان أخي مشهور بمقالبه المضحكة مع أولاد خالي و لكني لا زلت أتذكر أحداها و كأنها حدثت البارحة. حيث كان خالي رحمه الله يملك واحدا من تلك الأسرًة الحديدية القديمة و الكبيرة . و عندما كان يغادر الى عمله يتحول سريره الى مرمى . فقد كانت الاعمدة الحديدية القائمة من زواياه الأربعة تغري أولاد خالي بجعله مرمى يتناوبون على أمطاره بكرات كان واحدا منًا يحاول صدها ممثلا دور حارس المرمى. و كانت تقام الدورات و المسابقات بعد أن نقسًم أنفسنا الى مجموعات . طبعا زوجة خالي رحمها الله لم تكن تقبل بما يحصل فأشتكت الى خالي. جمعنا خالي و القى فينا موعظة مفادها أن لا نفعلها مرًة أخرى و ألًا . طبعا نحن أذن من طين و الأخرى من عجين . فما أن نستيقظ في الصباح و نتناول طعام الفطور الا و نقفز لنقسًم أنفسنا الى مجموعات و نبدا دورينا الأفتراضي و المرمى هو فراش خالي ضاربين عرض الحائط بتحذيرات خالي.
فراش شبيه بالفراش الذي أحدثكم عنه " بس هذا سوبر ديلوكس "

و في يوم من الأيام " و من حسن حظي و ستعرفون لماذا "  لم أشعر برغبة في اللعب ذلك اليوم فجلست لأتفرًج على برامج الفترة الصباحية التي يبثها تلفزيون بغداد لذلك اليوم بينما أولاد خالي و أخي نازلين لعب طوبة بغرفة خالي رحمه الله. شعرت برغبة لشرب بعض المرطبات فذهبت الى دكان القرية لشراء قنينة بيبسي و بعض البسكت لأدلل نفسي و أنا أتفرج على التلفزيون. و هنا و أنا في طريقي الى الدكان لمحت خالي راجع الى البيت مبكرا على غير عادته فقد عرفت بعد ذلك أنه كان يشعر ببعض التعب فقرر الرجوع مبكرًا . طبعا آني من شفت خالي راجع رحت طاير لأحذًر أخي و أولاد خالي من المصيبة التي تنتظرهم أذا جاء خالي و شافهم يلعبون الطوبة في غرفة نومه مستخدمين السرير كمرمى . و عندما وصلت الى البيت شاهدت أخي و هو يطارد الكرة التي قذفت خارج الغرفة فقلت له " ولك الحك...شفت خالو راجع للبيت و راح يشوي على أذانكم بصل أذا شافكم تلعبون بالغرفة ". طبعا أخي لم يتردد للحظة و أخذ الكرة و أرجعها الى أولاد خالي موصيهم بأستمرار اللعب الى أن يرجع اليهم بعد أن يقضي حاجته في الحمام . أنا أستغربت من ردًة فعله هذه و لكنه عاجلني بقوله " أسكت و لا تفتح لسانك بكلمة واحدة " ..طبعا أنا لم أفهم ماذا يجري . ذهب أخي ووقف خارج الدار و ما أن أقترب خالي من الدار حتى ركض أخي الخبيث بأتجاهه و هو يقول " خالو...الجماعة ديلعبون طوبة بغرفتك و مسوين فراشك مرمى " طبعا خالي و بكل هدوء أنسل الى البيت و أتجه الى غرفته. و عندما دخل خالي الغرفة أقفل أخي الباب بالمفتاح من الخارج حتى لا يستطيع أحد الهروب . و هنا سمعنا صراخ أولاد خالي و أستنجادهم بوالدتهم كما سمعنا صوت حزام خالي و هو يهوي على أجساد أولاده. كانت مجزرة بحق .كان خالي يصرخ فيهم مذكرا أياهم بما قاله لهم و نصيحته لهم بعدم اللعب داخل غرفة نومه و تحويل سريره الى مرمى و الجماعة يصطرخون من شدة الم الضرب.  و هنا شاهدت أخي و هو يمسك بقلم الباستيل و يكتب على جدران الغرفة الخارجية بخباثة واضحة " يمنع منعا باتًا لعب الكرة داخل الغرفة و من يخالف الأمر سيعاقب بقسوة " كان يكتب هذه العبارة بينما تزداد الطرقات على الباب من الداخل من قبل أولاد خالي متوسلين به أن يفتح لهم الباب. طبعا بعد خمس دقائق و بعد أن تأكد أخي أن جميع من في الغرفة قد ناله نصيب من حزام خالي أعطاني مفتاح الغرفة و قال لي و هو يجري الى الخارج " أحسب دقيقة و أفتح لهم الباب بعد أن أكون أنا قد أختبأت عند بيت الجيران "
طبعا أنا أنتظرت أكثر من دقيقة " خباثة " و بعد أن فتحت الباب رأيت أولاد خالي يتقافزون للخارج و خالي يركض خلفهم شاهرا حزامه و ضاربا به من أستطاع أن يصله. كم دقيقة و هدأ غبار المعركة..اولاد خالي في خارج البيت يبكون و خالي منهك من التعب من شدًة ضربه لأولاده و أخي أختفى في بيوت أحد الجيران و أنا واقف أتفرج على المنظر ما أدري أضحك لو أنقهر على المساكين ضحية تحذيري المبكر لأخي. دقائق و ذهبت الى الخارج لأرى أولاد خالي و هم يبكون و أجسادهم مصطبغة بخطوط حمراء من أثر الحزام الذي أكل من جلودم الطرية . سألوني من قفل باب الغرفة و كيف فلت أخي من العقاب فقصصت لهم الحكاية منذ أن رأيت خالي و هو راجع الى البيت حتى لحظة فتحي الباب لهم . و طبعا لم تخلو العملية من أضافة بعض البهارات من قبلي مثل " أخي أجبرني أن لا أخبركم برجوع خالي " و " ضلًيت أتوسًل بيه أن يقول لكم و لكنه رفض " و أخرى " قاتلته بشراسة لأخذ المفتاح منه " و أولاد خالي يتوعدون بعد كل مرًة أنطق فيها بأسم أخي .  لم يعرف أولاد خالي في أي بيت أختبأ فيه أخي فقد كان أصدقائه في القريه كثيرون و القرية كبيرة. و ربما ذهب و أختبأ في البستان الكبير حينها سيكون من الصعب أيجاده. قرر أولاد خالي أن يتناوبوا فيما بينهم بحراسة باب الدار بأنتظار أخي لتلقينه درسا لن ينساه. و بعد عدة ساعات شاهدت أخي و هو ينسل عبر سطح الجيران الى داخل البيت وذهب مباشرة الى خالي. أستنجد أخي بخالي قائلا له أن اولاده قد أرادوا به كيدا بد . هنا خرج خالي و هدد أولاده قائلا لهم " أذا أي واحد منكم طخ أبن عمًتكم هذا فراح يكون حسابه معي " و أخي واقف خلف خالي بأبتسامه خبيثة مرسومه على وجهه.
و عند العشاء و كلنا كاعدين حول صينية الأكل و بعد أن عرف خالي بالمقلب اللي سواه أخي بأولاده أنفجر ضاحكا من خفًة دم أخي و أنفجر أولاد خالي ضاحكين ببراءة و مسامحين أخي على فعلته الشنيعة بهم . فقد كانت تلك القصًة مدعاة للضحك أكثر مما هي مدعاة للضغينة و أختتم الجميع الضحك بقولهم " عفا الله عمًا سلف " و سامح أولاد خالي أخي. أنا كنت مندهشا من سرعة تسامح أولاد خالي لأخي و عزوت ذلك الى أن " الدم عمره ما يبقى ماي " على كولة أخواننا المصريين. بس هاي أفتهمتها لأن صلة القربى و طول المعرفة بأخي و مقالبه و طبيعته الميًالة الى عمل تلك المقالب مع أولاد خالي من باب " الميانة " ..و لكن الذي لم أفهمه هذه الأيام و خاصًة عندما أجلس في مقهى لأسمع أحدهم و هو يدافع عن المالكي بينما الآخر يدافع عن علًاوي و ثالث يدافع عن الحكومة كلها متحججين بأن الحكومة تبذل ما في وسعها و مستشهدين بالديمقراطية المستوردة التي يعيشونها في ظل هذه الحكومة . يا ناس...هذه الحكومة قد سرقت و كذبت و أقفلت الباب خلفنا لتشبعنا هي نفسها ضربا و جوعا و فقرا و سرقة و بيعا للوطن و كذبا على ذقوننا بحكاية السيادة و القاعدة و فلول البعث و لازلنا نبرر لها ما تفعل...و بدلا أن نسألهم عن حقوقنا المهدورة و سيادتنا الضائعة و وطننا الذي يشتت كل يوم بأيديهم القذرة نبرر لهذا الطرف و ذاك من الأحزاب العميلة ما يفعلون...يا جماعة...ترة أولاد خالي سامحوا أخي لأنه أبن عمتهم...أحنا ليش نسامح الحكومة على الضرب اللي دناكله كل يوم...لو هم عاجبكم تكولون " عفا الله عمًا سلف " مثل أولاد خالي ...و أخيرا لا تنسون...ترة أحنا ما لعبنه طوبة بغرفهم...بل أحنا اللي نلعب بينا طوبة...و عليه نستاهل ضرب بالحزام كل ساعة ما دمنا متسامحين لهذا الحد...و لا ننسى قول أبو حيان التوحيدي  "من عاشر الناس بالمسامحة ، دام استمتاعه بهم "...فسامحوا حكومتكم حتى تستمتعوا بصحبتهم و يرضى السيد عنكم...و كل نومة و المتسامحين مع الحكومة بخير  
 ملاحظة كلًش صغيرونة : لا آني و لا أخوية و لا أحد من عائلتنا ترجع أصوله الى محافظة الناصرية